ثالثا--اعتراضات عقلية:
لقد حاول القائلون بمبدأ الخطيئة والكفارة أن يجدوا حلا منطقيا للجمع بين عدل الله ومحبته ، فخرجوا بفكرة الإنسان السماوي الذي يموت ليحمل عن الناس
آثامهم ، وأنا لا أتهم المسيحيين بهذا فقد ذكرت أن هذه الفكرة كانت موجودة عند الكثير من الديانات الوثنية ، إلا أن هذا الحل الذي أوجدوه أوقعهم في إشكالات كثيرة لا يمكن للعقل أن يقبلها، ولا شك أنك عندما تقرأ ما كتبناه من اعتراضات ، ستدرك أنها أكبر بكثير من الإشكال الذي حاولوا حله ، وإليك بعض هذه الاعتراضات:-1- ( محبة الله ) : إن الذي دفع الله إلى قتل المسيح على الصليب هو محبته للعالم ، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل من المعقول أن يحب الله البشر الخطاة أكثر من حبه للمسيح البار فيضحي به من أجلهم ؟! ويسمح بضربه وشتمه وإهانته ؟!.
2- ( عدل الله ) : إن كان الله قدم المسيح كفارة عن خطايا البشر من أجل عدله ، فلنا أن نسأل: هل من العدل أن يعذب الله المسيح ويقتله على الصليب من أجل ذنب لم يقترفه ولم تكن له أي علاقة به ؟! وكأن هم الله أن يجمع بين عدله ومحبته بأي طريقة ، ولو كان فيها ظلم لمن ليس له ذنب أبدا ، يقول روي ديسكون سميث في كتابه " ضوء على البعث " ص(321) :" لا يوجد متدين مهما كان مذهبه أو فرقته يعتقد أن الله العظيم قد أرسل ابنه الوحيد إلى هذه البشرية التي لا توازي – في مجموعها منذ بدء الخلق إلى نهايته – كوكبا من الكواكب المتناهية في الصغر لكي يعاني موتا وحشيا فوق الصليب ، لترضية النقمة الإلهية على البشرية ، ولكي يساعد جلالته في أن يغفر للبشرية ، على شرط أن تعلن البشرية اعترافها بهذا العمل الهمجي الذي لا يستسيغه عقل ألا وهو الفداء " (1).
وقد يقول قائل: إن المسيح رضي بذلك ، ولا أدري ما هو نوع العقول التي تفكر بهذه الطريقة ، وكأنهم يقولون أن الله يريد أن يتلذذ برؤية الدم ترضية لنفسه فقط ، من غير مراعاة لكون المقتول هو الشخص المذنب أم لا ، فإن سفك دم أي منهما يصلح لإطفاء هذا الغضب الإلهي ، يقول آرثر ويجال في كتابه " الوثنية في ديانتنا المسيحية " عن هذا النوع من التفكير :" وهذه بالطبع وجهة نظر يتقزز منها العقل العصري ، والتي قد تكون شرطا لعقيدة بشعة ليست منفصلة عن ميول التلذذ بالقسوة للطبيعة البشرية البدائية . وفي الواقع إن هذه العقيدة دخيلة من مصدر وثني في الإيمان " (2).
على أننا قدمنا في الفصل السابق فقرات من الكتاب المقدس تدل على أن المسيح والشخص المصلوب لم يكونا راضيين عن هذا الفعل (1).
3- ( صفات الله ) : كل من يؤمن بالله يقر بأن الله متصف بكل صفات الكمال منـزه عن كل صفات النقص، فذات الله كاملة لا تشوبها شائبة نقص ، والسؤال هو: هل من كمال ذات الله أن تتجسد في المسيح ؟ لا تتسرع بالإجابة ، فإن كان من كمال ذات الله أن تتجسد في المسيح ، فهذا يعني أن ذات الله كانت ناقصة قبل التجسد ، وإن كان من كمال ذات الله أن لا تتجسد في المسيح فهذا يعني أن ذات الله صارت ناقصة بعد التجسد ، ولهذا فنحن نقول: إن الله منـزه عن التجسد ؛ لأنه إما أن يكون ناقصا قبل التجسد ، أو ناقصا بعد التجسد ، وكلا الأمرين لا يرضاهما أحد من المؤمنين.
4- ( عقاب الله ) : لاشك أن الله يعاقب من يستحق العقاب بقدر ذنوبه ، هذا هو العدل فهل يكون عقاب من نهي عن الأكل من شجرة وأكل بأن يلقى في جهنم وأبناؤه إلى أبد الآبدين؟! إن إلها يفعل هذا لن يكون أكثر رحمة من هتلر .
5- ( طرق الله ) : إن الله قادر على أن يعطينا عددا لا يحصى من الوسائل حتى يكفر عنا خطايانا ، وإلا استطاع البشر بخطاياهم أن يحدوا الله بطريقة واحدة أو بعدد معين من الطرق حتى يكفر عن خطايا الناس ، فلماذا اختار الله طريقة يعذب ويهان ويصلب فيها ؟
لقد أنصف اليهودي سعد كمونة في كتابه " تنقيح الأبحاث في الملل الثلاث " ص(57) حين قال :"إن الله أكرم من أن يقال … إنه لم يستطع أن يقضي أمره وهو في ملكه ، حتى نزل على الأرض ليهديهم وينجيهم من الشيطان ، وإنه جاء ليهدي الناس من الضلالة ، ويطهرهم من الخطايا ، فعبث به اليهود وعذبوه وصلبوه وأهانوه ". وقد يجيب أحدهم : بأن الله أراد أن يظهر محبته لنا بموته على الصليب من أجلنا، ونحن بدورنا نقول: ألم يكن بمقدور الله أن يظهر محبته لنا بطريقة أخرى ؟.
6- ( قداسة الله ) : إن كانت الخطيئة الساكنة في الإنسان تحول بينه وبين الله ؛ لأن الله قدوس فأين كانت قداسته عندما أرسل الأنبياء وكلم موسى وأعان داود وسليمان على أعدائهما؟! لماذا لم تحل طبيعة الخطيئة فيهم بينهم وبين الله ؟!!
7- ( ذبيح الله ) : إن كان الله قدم المسيح على الصليب ذبيحا ، ووضع عليه آثام الخطاة فسيطرد المسيح من رحمة الله لأجل ذلك ، حتى قال كاتب رسالة غلاطية : [ المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا ] (13:3) يقول أتكنسون في تفسيره لإنجيل متى (46:27) :" إن المسيح وقعت عليه لعنة الله لكونه حاملا الخطايا "، فلماذا لم يفد الله المسيح من هذه الآثام ويحرره منها ؟ .
8- ( حكم الله ) : إن كان الله قد حكم على الناس بالموت لأجل الخطيئة التي ورثوها عندما أكل آدم من الشجرة ، فهل من المعقول أن يحكم عليهم بالحياة والعودة إليه عن طريق خطيئة أعظم من الخطيئة الأولى وهي صلب المسيح وقتله ! يقول كمونة في كتابه المذكور آنفا :" أي خطيئة كانت قبل المسيح أو بعده أعظم من الخطيئة التي كانت في زمانه عندكم ؟ "
9- ( فرح الله ) : هل فرح الله لظلم اليهود للمسيح وقتلهم إياه فيكون قد فرح بارتكاب الناس للخطيئة ؟! أم كان ساخطا عن هذا الفعل مع أنه اختاره ليجمع فيه بين عدله ورحمته وضحى بالمسيح من أجله ؟! يقول روي يسكون سميث في كتابه " ضوء على البعث " :" إذا كان الله أذن بالصلب لأجل ترضيته فإنه يكون مشتركا في الذنب مع السفاكين الذين يكونون قد قاموا بمهمة إلهية " (1).
10- ( تجسد الله ) : إن كان الله قد تجسد وولد من مريم ومات بجسده على الصليب من أجل تكفير الخطايا ، فهل يكفي هذا الجسد المحدود لتكفير خطايا الكثيرين ؟ ثم لماذا لا يكون جسد المسيح قد ورث الخطيئة من أمه مريم كما ورثها سائر البشر ؟ هل طهر الله مريم من الخطيئة حتى لا يرثها المسيح ؟ إذن فلماذا لا يطهر جميع البشر كما طهر مريم ؟
وقبل الانتهاء من هذه الاعتراضات أقول : قد يقف البعض واضعا كل ما ذكرناه جانبا ليقول: إن المسيح غير حياتي ، ونحـن نقول لمثل هؤلاء: إنك إن كنت لا تريد الاقتناع بما قلناه فلن نستطيع أن نقنعك ولا أن نجبرك، لكن تذكر أنه كما غير المسيح حياتك عندما آمنت به مخلصا لك، فكذلك غير بوذا حياة كثير من البوذيين الذين آمنوا به مخلصا لهم ، وغير كرشنا حياة كثير من الهنادكة الذين آمنوا به مخلصا لهم ، فمن هو المخلص الحقيقي ؟ لا تقل إنه المسيح، فإنك لم تجرب غيره ممن غيروا حياة الكثيرين !
0 التعليقات:
إرسال تعليق